top of page

الحيض و كسر دائرة الخزي

تاريخ التحديث: ١٨ يوليو ٢٠٢١


الصورة من تصوير Rafael Barros

أمضيت السبع السنوات الأولى من حياتي مستمتعة باللعب مع الصبيان. أخي و أبناء خالتي كانوا أصدقائي المفضلين لحين بدأنا بتكوين هويتنا الجنسية بعد السابعة. فجأة، انكسر الجسر الذي بنيناه سوياً و تكونت ثغرة لم أعلم سببها حينها. كانت البيئة المحيطة مذكرة لي أنهم أولاد على الدوام، و أن لعبنا سوياً سيبدو غريباً بعد اليوم، أن مبارياتنا الكروية جاءت لنهاية مطاف، و أن مضي الليلة في منزل أحدهم غدا مستحيلاً.. أننا مختلفون.

هذه الثغرة كونت رغبتي القوية في الانضمام لمجموعة أخرى: مجموعة النساء. جدتي، أمي، أختي الكبرى، خالاتي، و بناتهن. حضورهن كان مثيراً، و رابطتهن كانت وطيدة. نساء عائلتي قويات: أمهات، معلمات، ربات منازل، قابلات، نساء دين، و فنانات. لطالما امتلأت مجالسهن بالبهجة، بالضحك، بالاهتمام، الثقة، و الرقص. من لا يريد أن يكون جزءاً من كل ذاك؟


كنت في العاشرة من عمري حين بدأت بتصور معنى الرب، السيئات، و العبادة. تسلل مفهوما الخوف و الخزي في عالمي الصغير وقتها. حيت بدأت علامات البلوغ بالظهور علي (نمو الثديين و شعر الإبط و العانة) أصبت بالرعب، "ليس هذا ما دعوت الرب من أجله!" لم تظهر تلك العلامات على أي من صديقاتي في المدرسة، فأصابت طفلة العاشرة بموجة خزي إذ أنها "دعت" أن تكون في جمع نساء العائلة.


لم يقم أحد بالحديث معي عن الحيض. و في الحادية عشر بدأت حيضي الأول.. دورتي الأولى.. بوابتي لعالم الأنوثة. مشاعري كانت متخبطة بين الاعتزاز و الخزي. كنت متيقنة في قرارة نفسي أن شيئاً ما قد تغير.. تحول.. استيقظ.. إلا أن مشهد الدم كان يعيدني لـ "لابد أنه عقاب من الله إذ أني أذنبت في الآونة الأخيرة" أبقيت الأمر سراً عن الجميع إذ أني ظننت حينها أن هذا الحدث الطبيعي وصمة عار. لكنّي لم أكن وحدي.


أيقنت بعد سنوات أنني لم أكن وحدي. لا تتلقى آلاف الفتيات حول العالم أي تعليم فيما يخص الدورة النسائية و الحيض ألا بعد الحدث. تظن آلاف الفتيات أنهن على مشارف الموت بسبب فقدهن للدم. تظن الآلاف منهن أنهن معاقبات، ملعونات، و غير نقيات في فترة الحيض. هناك عدد مهول من الفتيات اللائي لا يملكن الوسائل للحصول على منتجات حيض مستدامة. أنا حقاً، لست وحدي.


تعجبني المسميات اللائي تخترعها النساء لتسمية فترة الحيض: أسبوع الفراولة، خالة وردة، العادة، العروسة، أم أحمد، و المسمى المفضل لدي وقت القمر... إلا أن هذه المسميات لم تضف إلا القليل لتثقيف هذا الجيل بحقيقة الحيض: ما الحيض؟ ما هي الأمور التي يتوقع حدوثها قبله؟ كيف يمكننا التنبؤ بالحيض الجديد؟ و ما هي العلامات الطبيعية لهذه الفترة؟


قد نملك امتيازاً لامتلاكنا فوطاً صحية أحادية الاستخدام، تامپون، فوط قماشية متعددة الاستخدام، أو أكواب الحيض، إلا أن العديد من الفتيات و النساء حول العالم لا يملكون هذا الامتياز. قد تُعرف فترة الحيض لدى هؤلاء الفتيات بأسبوع الخزي بجلوسهن على لوح كرتوني، أو استخدام الحجارة، ورق الشجر، أو الرماد لتلقي الدم. ناهيك عن تحريم بعض الأديان و الثقافات طبخ النساء أو دخولهن دور العبادة لاعتبار الحيض مقروناً بالنجاسة.

احترفت بعض النساء فن كتمان الأسرار خاصة بكل ما يتعلق بدوراتهن. تخفي بعضهن حقيقة عدم صيامهن في أيام الحيض من رمضان أمام الآخرين، تتبادل الفوط الصحية سراً في ممرات المدرسة أو مقر العمل، تُعطى فترة الحيض أسماء غريبة، تمتنع الفتيات من طلب شراء منتجات الحيض من الأب، و ترمى بعض الملابس المنقطة بالدم قبل غسيلها كيلا يراها أحد. لماذا؟


ما الذي حصل في الـ ١٠٠٠ سنة الماضية لننتقل من الاعتزاز بأنوثتنا و علاماتها لمعاملتها كلعنة يجب أن تبقى سراً، مصمتة، و مسببة للخزي؟ ما الذي حصل حتى توقفنا عن استخدام دم النساء الخصب لتسميد تربتنا؟ لماذا توقفنا عن الاحتفال بالحيض الأول لفتياتنا؟ ما الذي حصل حتى توقف القوم عن استشارة النساء لإرشادهن في فترة الحيض؟ هذا الخزي عالمي، محلي، و شخصي.


هنالك ثمن لهذا الصمت. نشهد جهوداً عالميةً لكسر دائرة الصمت و الخزي هذه: امرأة تجري في ماراثون في فترة الحيض، و نساء ترسم لوحاً فنية بدم حيضهن على سبيل المثال. قد تكون هذه الأمثلة متطرفة بالنسبة لك، و أنا لست هنا إلا لأطلب منك بدء حوار بنية كسر حاجز الخزي. فلنسأل هذه الأسئلة: ما هي المواد السامة في منتجات الحيض؟ من هو المسؤول عن توفير هذه المنتجات للنساء؟ هل ستسأل/ين بناتك إن كان لديهن منتجات كافية؟ كيف كانت تجربة الحيض الأولى لك؟ ما هو الحيض؟


إن لم يقم أحدهم بالحديث معك عن الحيض من قبل، أنا أدعوك للبدء الآن. و أنا هنا لأنصت.


تعليقان (٢)

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page